السفاهة بين الحاضر والمستقبل

عبد النبي حجازي

كما تنتشر الرائحة النتنة, يطل السفهاء على طول وطننا العربي وعرضه من بين المتنفذين والوجهاء والتابعين وتابعي التابعين وبعض المسؤولين, والسفيه ليس الذي ( يهرف بما لايعرف ) وحسب وإنما الذي يتباهى بسفاهته حتى يحملك إلى أن تشفق عليه وأنت تراه (مسخاً) أو ( معوقاً).

ولو كانت السفاهة (شخصية) لهان أمرها لكن السفهاء يرون الغاية تبرر الوسيلة ويدوسون الأخلاق والقيم الإنسانية ويتمترسون في خندق الرأي الآخر أو‏

( الخلاف في الرأي) مشمخرين متعصبين لآرائهم أحاديين كالخراتيت, يشنون هجوماً ضارياً على من يخالفهم, ويصمون آذانهم إلا عن انتهازيتهم وكراسيهم وقد يلجؤون للسب والشتم لضحالة إدراكهم ووهن حجتهم إنهم يرون الخنوع لأشد الأعداء ( مزية ) ويرون التمسك بالمبادىء والحقوق (تهوراً) ويرون الاحتجاج خصومة شخصية فيلوحون بالتهديد والوعيد مكررين طروحات من يريدون التدمير الشامل, وإعادة بناء ( شرق أوسط ) جديد يضعون فيه( اسرائيل )في الصدارة ويجعلون أولئك السفهاء » خدماً لها ).‏

ولئن كان الواجب أن يحجر على السفيه لايبيع ولايشتري ولايعقد صفقة, فكيف بمن بين يديه مقدرات شعبه ? يقول الإمام الشافعي:‏

إذا نطق السفيه فلا تجبه‏

فخير من إجابته السكوت‏

فإن كلمته فرّجت عنه ‏

وإن خليته كمداً يموت‏

والحقيقة أن السفيه لايخاطب, ولايرد عليه, قال الشاعر:‏

يخاطبني السفيه بكل قبح‏

فأكره أن أكون له مجيبا‏

إن أولئك السفهاء عقبة كأداء في طريق التقدم الديموقراطي والإصلاح المعيشي إنهم ركائز للتخلف. إنهم ينتفخون على أبراجهم ويرون المواطن المسحوق - الذي ينتزعون مكانتهم من جيبه وعرق جبينه - صغيراً, وهم الصغار الذين يعنيهم المتنبي في قوله:‏

على قدر أهل العزم تأتي العزائم ‏

وتأتي على قدر الكرام المكارم‏

وتكبر في عين »الصغير) صغارها‏

وتصغر في عين العظيم العظائم‏

إنهم مصابون بالحماقة يلعبون بالمبادىء كما يلعب الطفل بالدمية يخلع يدها, يفقأ عينيها, وقد قال الشاعر:‏

لكل داء دواء يستطب به‏

إلا الحماقة أعيت من يداويها‏

وقيل » لاتعاشر الأحمق فهو يريد أن ينفعك فيضرك).‏

ونتساءل: كيف نواجه هذه المرحلة التاريخية بهذا الحاضر كحال لبنان وفلسطين والعراق الذي مني بهجرة هي واحدة من أقسى ماعرف التاريخ ? أبالتبجح والمباهاة فوق الكراسي وبيع الضمائر وتسجيل النقاط كمن يعدّ حبات المسبحة ?‏

أبطأطأة الرؤوس وترك المواطن أمام مستقبل غامض أسود مع همومه ومصائبه ?‏

أليست المتاجرة بحق المواطن إجحافاً ولا إنسانية,‏

وماذا يعني أن يسوق بعض المسؤولين الحجج والمسوغات بالخطف يميناً ويساراً لتزييف الحقائق بمحاربة الإرهاب ونترك المواطن كما قال »الأعشى):‏

كناطح صخرة يوماً ليوهنها‏

فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل‏

إذا كنتم تودون أن تروغوا وتتخاذلوا فتخاذلوا على حسابكم الشخصي. لا على حساب التاريخ, ولاتنسوا أن التاريخ لايرحم