إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، ونصلي ونسلم على صاحب الأخلاق الكاملة محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه .. وبعد :
السخاء خلق المسلم، والكرم شيمته، ولما كانت الأخلاق الفاضلة مكتسبة بنوع من التربية والمجاهدة ،فإن المسلم يعمل على تنمية الخلق الفاضل في نفسه وفي الآخرين.
وسنذكر بعض العناصر المجلية لهذا الموضوع :
(1) من مظاهر السخاء ما يلي :
1- أن يعطي الرجل العطاء من غير منٍ ولا أذى.
2- أن يفرح المعطي بالسائل الذي سأله، ويسر لعطائه.
3- أن ينفق المنفق في غير إسراف ولا تقتير .
4- أن يعطي المكثر من كثيره ، والمقل من قليله، في رضا نفس وانبساط وجه.
(2) أنواع السخاء ودرجاته :
قال ابن القيم_ رحمه الله_ :
والسخاء نوعان : فأشرفهما سخاؤك عما بيد غيرك ، والثاني سخاؤك ببذل ما في يدك ، فقد يكون الرجل من أسخى الناس ، وهو لا يعطيهم شيئاً لأنه سخا عما في أيديهم ، وهذا معنى قول بعضهم :
السخاء أن تكون بمالك متبرعا ، وعن مال غيرك متورعاً ) أ.هـ (انظر الوابل الطيب (53) .
وقال ابن قدامة- رحمه الله- عندما ذكر درجات السخاء :
( وليست بعد الإيثار درجة في السخاء ،وقد أنثى الله- تعالى- على أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالإيثار فقال: ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) (الحشر /9).
( انظر مختصر منهاج القاصدين (205) .
( 3)الأحاديث الواردة في ( السخاء) منها :
1- حديث حكيم بن حزام- رضي الله عنه- قال : سألت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأعطاني، ثم سألته فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم قال: ( يا حكيم : إن هذا المال خضرة حلوه ، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه ، كالذي يأكل ولا يشبع ، اليد العليا خير من اليد السفلى )
وفيه .. حتى قال عمر : إني أشهدكم يا معشر المسلمين على حكيم إني أعرض عليه حقه من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه فلم يرزأ حكيم أحداً من الناس بعد- رسول الله صلى الله عليه وسلم- حتى توفي).
( ومعنى لا أرزأ : أي لا أنقص ماله بالطلب . رواه البخاري – الفتح 3(1472) واللفظ له ومسلم (1035).
2- عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال : رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: بينما رجل يمشي بفلاة من الأرض فسمع صوتاً في سحابة: اسق حديقة فلان ، فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماء في حرة ، فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله ، فتتبع الماء فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته، فقال له: يا عبدالله ما اسمك؟ قال : فلان ، الاسم الذي سمع في السحابة فقال له : يا عبدالله لم تسألني عن اسمي فقال : إني سمعت صوتاً في السحاب الذي هو ماؤه يقول : اسق حديقة فلان ، لاسمك ، فما تصنع فيها؟ فقال : أما إذا قلت هذا ، فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه وآكل أنا وعيالي ثلثا ً وأرد فيها ثلثه). ( رواه مسلم في الرقائق باب الصدقة على المساكين (2984/2288/4).
3- عن جابر- رضي الله عنهما- قال : ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم قط فقال : لا. ( متفق عليه)( رواه البخاري في الأدب باب حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل ومسلم في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم ) .
4- وعن عبدالله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أن رجلاً سأل رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: أي الإسلام خير؟ قال
تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف) (متفق عليه).
5- عن أنس- رضي الله عنه- قال : ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ً إلا أعطاه ، ولقد جاءه رجل فأعطاه غنماً بين جبلين ، فرجع إلى قومه فقال : يا قوم أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر ، وإن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا فما يلبث إلا يسيراً حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها. (رواه مسلم في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم ).
( 4) : من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ( السخاء) :
قال ابن عباس- رضي الله عنهما-: ( سادات الناس في الدنيا الأسخياء ، وفي الآخرة الأتقياء ) (أدب الدنيا والدين للماوردي (226).
2- قال علي بن أبي طالب- رضي الله عنه-: ( السخاء ما كان منه ابتداء فأما ما كان عن مسألة فحياء وتكرم ) (مختصر منهاج القاصدين ( 204).
3- قال الحسن البصري- رحمه الله-: (السخاء : أن تجود بمالك في الله- عز وجل- أي في سبيل الله (الأحياء (3/2246))
4- قال سفيان بن عيينه- رحمه الله-: ( السخاء : البر بالإخوان والجود بالمال ) (الإحياء (3/246).
5- قال الغزالي- رحمه الله- : (اعلم أن المال إن كان مفقوداً فينبغي أن يكون حال العبد القناعة وقلة الحرص ، وإن كان موجوداً فينبغي أن يكون حاله الإيثار ، واصطناع المعروف والتباعد عن الشح والبخل فإن السخاء من أخلاق الأنبياء عليهم السلام . وهو أصل من أصول النجاة) (الإحياء (3/243).
6- قال بعض الشعراء :
ويظهر عيب المرء في الناس بخله ويستره عنهم جميعاً سخاؤه
تغط بأثواب السخاء فإنني أرى كل عيب بالسخاء غطاؤه
( انظر صحيح الوابل الطيب (69).
(انظر مراجع الموضوع/ نظرة النعيم/ - 6/2252 - -2259) بتصرف واختصار ومنهاج المسلم للجزائري ص 168 ونزهة المتقين شرح رياض الصالحين ج ص 471).
الخلاصة:
ينبغي لكل مسلم ومسلمة أن يتخلق بهذا الخلق الفاضل، ألا وهو- خلق السخاء-: لما فيه من الفوائد العظيمة والأثر الطيب في حياة الناس، فإن صاحبه محمود في الدنيا والآخرة ، والسخاء دليل الزهد في الدنيا وحب الآخرة ، ويكسب صاحبه السيادة في الدنيا والآخرة، وهو طريق من طرق النبيين والسلف الصالح .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، و الحمد لله رب العالمين . وبالله التوفيق .