الشيخ والمدرس والثعبان وكثير من الجهل !قرأت هذه القصة وأنا في الصف الخامس الإبتدائي ..
في ذلك الوقت كان عندي شغف بقراءة أي شيء ما عدا الكتب المدرسية ! وكأني كنت أقرأها عناد فقط !!
بين كل ما قرأت حُفرت هذه القصة في وجداني بشكل غريب ولهذا أذكرها حتى الأن ..
السبب ؟ .. ربما لأنها أول قصة كنت أقرأها ينتصر فيها الشر في النهاية !
إليكم القصة بإختصار شديد لا يخلو من إخلال !! .. كما أني أكتبها من ذاكرتي بإسلوبي
—————————
تم تكليف أحد المدرسين بفصول محو الأمية في إحدى قرى مصر .. القرية كلها كانت جاهلة عن بكرة أبيها .. لا يوجد فيها طفل أو شاب أو شيخ أو إمرأة يعرفون القراءة والكتابة .. لكن عموما فصول محو الأمية كانت لصغار السن من الأطفال والفتيان لعدم وجود أي مدارس في هذه القرية وما جاورها من قرى.
جاء المدرس وكله حماس وأمل أن ينشر العلم وسط هذا الجهل المدقع في القرية .. وفي أول يوم له في التدريس .. لاحظ أن معظم طُلابه تقريبا يعلقون الأحجبة – جمع حجاب الذي يصنعه المشعوذون – في أعناقهم وأذرعهم .. فسألهم عن هذا الشيء .. فقالوا إنه حجاب يحميهم ويحرسهم صنعه لهم الشيخ عزوز .. شيخ القرية .
الشيخ عزوز هو مجرد دجال وليس إمام مسجد .. إنه حتى لا يصلي ! .. وتلقيبه بالشيخ لإعتقاد الناس الخاطيء أن ما يفعله من دجل هو من الدين وليس سحر أو شعوذة .. في الواقع الشيخ عزوز لا يفقه شيء عن السحر أيضا .. إنه مجرد نصاب ليس إلا !
عرف المدرس هذا في أول يوم وغضب غضبا شديدا .. وأمر التلاميذ بأن ينزعوا هذه الأحجبة من على أجسادهم وأن يكفوا عن تصديق هذا الخرف والدجل .. لقد جاءوا ليتعلموا ويغمرهم نور العلم وأول الخطوات هي نزع هذه المعتقدات الخاطئة من أفكارهم وعليهم ألا يتبعوا هذا المشعوذ النصاب المسمى بعزوز .. كان هذا في أول يوم له في القرية ولم يتعلم التلاميذ الحروف الهجائية بعد ..
عاد التلاميذ وأخبروا أهلهم بما حدث .. وأنتشر الخبر بين أهل القرية الصغيرة في نفس اليوم ووصل الأمر للشيخ عزوز .. الذي أحس بخطر شديد فتحرك بسرعة كعادة كل الأشرار في هذا العالم الذين لا ينتظرون وقوع المصيبة على عكس الأخيار تماما !!
في اليوم التالي وبينما المدرس يحاول أن يبدأ مع التلاميذ تدريسه للحروف الهجائية .. فوجيء بمن يناديه من خارج الفصل .. والذي هو غرفة مصنوعة من البوص والقش ليس إلا .. خرج المدرس ليُفاجأ بأهل القرية جميعا تقريبا رجالا ونساء يتقدمهم شخص يرتدي ثياب مهلهلة ومزينة بالكثير من السبح والاشياء الغريبة .. لا تحتاج أن تكون ذكيا لتعرف أن هذا هو الشيخ عزوز !!
صرخ الشيخ عزوز في المُدرس وقال له أنت تقول عني كذا وكذا .. هل هذا صحيح ؟؟ .. قال المدرس نعم وأنا أكرر أمام القرية كلها أنك مجرد مشعوذ نصاب .. وكل ما تفعله ليس إلا مجرد تخريف وضحك على هؤلاء الناس .. فصارت همهمات السخط والإعتراض بين الناس التي تستغرب أن يوجد شخص يمكنه أن يتجرأ على أن يقدح في مقام الشيخ عزوز بهذا الشكل .. حتى أن بعض المؤمنين بالشيخ عزوز وضع يده على رأسه ليحمي نفسه من الصاعقة السماوية التي ستهبط على المدرس لتخسف به الأرض الأن !
إبتسم الشيخ عزوز وأشار للقوم بيده ليصمتوا فصمتوا في الحال .. واضح أن الرجل مسيطر عليهم تماما .. ثم نظر للمدرس وقال بهدوء .. ما رأيك أيها المدرس أنني أعلى منك علما ومعرفة بمراحل .. وأنه بالرغم من أني لم أدخل مدرسة في حياتي أستطيع أن أهزمك في ما تعلمه أنت للناس ..
أستطيع أن أقرأ وأكتب أفضل منك بمراحل .. فالأسياد والأولياء هم من علموني القراءة والكتابة .. فسارت همهمات الإعجاب والرضى بين الناس .. أحد المتحمسين خرج بين الجموع ليقبل قدم الشيخ عزوز ويعود مكانه في رضى تام بما يفعل !
إبتسم المدرس وقال .. هذا مستحيل .. لا يمكن لجاهل مثلك أن يهزمني في القراءة والكتابة ..
قال الشيخ عزوز .. إذن هيا بنا للتحدي لأثبت لك .. وسيكون الناس والحاضرون هم الحكم بيننا .. لكن على المهزوم منا أن يغادر القرية بلا رجعة .. فهل أنت موافق ؟
إبتسم المدرس وقال .. بالتأكيد .. أنت وفرت علي الكثير لأُخلص أهل القرية منك ومن شرورك وخرافاتك !
فقال عزوز .. أحضروا التختة – السبورة – خارج الفصل هنا أمام الجميع ..
وقال عزوز .. سنتحدى من فينا يستطيع ان يكتب كلمة “ثعبان” بشكل صحيح ..
إبنسم المدرس من هذا التحدي السخيف .. ولكنه قال لو كان هذا سيخرج هذا المشعوذ من القرية فليس هناك مشكلة .. وأخذ الطبشور وكتب على السبورة ..
ثــــــعبانثم أخذ الشيخ عزوز الطبشور … وقام برسم شكل ثعبان !!
ونظر للناس .. وقال بعلو صوته .. فلتحكموا .. أيهما صواب ؟ ..أي في هذين هي الثعبان ؟؟!! .. فأشار الجميع وسط التهليلات إلى رسمة الشيخ عزوز التي كان من الواضح جدا لهم انها ثعبان في حين لم يفهموا شيئا من الخطوط التي كتبها هذا المدرس !!
وسط ذهول المدرس الذي لم يعي بعد أنه تم توريطه من قبل الشيخ عزوز .. حاول جاهد أن يشرح لهم أن الرجل يضحك عليهم ويستغل جهلهم .. لكن هيهات .. بعد ماذا .. لقد هزمك الشيخ عزوز وعليك ان تغادر القرية بلا رجعة في الحال .. نظر إلى تلاميذه ولكن لم يسعفوه بشيء فهم لم يكونوا قد تعلموا الحروف الهجائية بعد وكانوا مقتنعين أن الشيخ عزوز هزم مدرسهم ..
غادر المدرس القرية بعد ان أجبره أهل القرية على هذا حامدين الله أن الشيخ عزوز أنقذهم من هذا المدرس الذي جاء لتسميم عقول أبنائهم .. غادر المدرس وترك القرية تحت سيطرة الشيخ عزوز أكثر مما كانت .. وأصبح من المستحيل أن يمس مقامه بأي شكل ..
قبل أن ياتي المدرس للقرية كان فيها القليلين الذي ترفض فطرتهم ما يفعله الشيخ عزوز ولكنهم كانوا يكتمون هذا في خواطرهم .. ولكن بعد هزيمة المدرس طردوا هذه الهواجس الشريرة من صدورهم وأقتنعوا بقدرات الشيخ عزوز مثلهم مثل باقي أهل القرية .. !!
إنتهت .. !!