حكايات من التراث ان من البيان لسحرا

ان من البيان لسحرا
حدث أحمد بن أبي داود القاضي قال: ما رأيت رجلاً عرض علي الموت فلم يكترث به ولا " شغله عما أراده حتى بلغه وخلصه الله من القتل " إلا تميم بن جميل السدوسي الخارجي، وكان قد خرج على المعتصم، ورأيته قد جيء به أسيراً فأدخل عليه يوم موكب، وقد جلس المعتصم للناس مجلساً عاماً، ودعا بالسيف والنطع. فلما مثل بين يديه، نظره المعتصم فأعجبه حسنه وقده ومشيته إلى الموت غير مكترث به، فأطال الفكر فيه، ثم استنطقه لينظر أين عقله ولسانه من جماله، فقال: يا تميم إن كان لك عذر فأت به. فقال: أما إذا أذن أمير المؤمنين في الكلام فإني أقول: الحمد لله الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله سلالة من ماء مهين. يا أمير المؤمنين جبر الله بك صدع الدين، ولم بك شعث الإسلام والمسلمين، وأخمد بك شهاب الباطل، وأنار بك سبيل الحق، إن الذنوب يا أمير المؤمنين تخرس الألسنة، وتصدع الأفئدة، وايم الله لقد عظمت الجريرة، وانقطعت الحجة، وساء الظن، ولم يبق إلا عفوك أو انتقامك، وأنت إلى العفو أقرب، وهو بك أشبه وأليق ثم أنشده:
أرى الموت بين السيف والنطع كامناً ... يلاحظني من حيث ما أتلفت
وأكبر ظني أنك اليوم قاتلي ... وأي امرئ مما قضى الله يفلت
وأي امرئ يدلي بعذر وحجة ... وسيف المنايا بين عينيه مصلت
يعز على الأوس بن ثعلب موقف ... يسل علي السيف فيه وأسكت
وما جزعي من أن أموت وإنني ... لأعلم أن الموت شيء مؤقت
ولكن خلفي صبية قد تركتهم ... وأكبادهم من حسرة تتفتت
كأني أراهم حين أنعى إليهم ... وقد لطموا حر الخدود وصوتوا
فإن عشت عاشوا سالمين بغبطة ... أذود الردى عنهم وإن مت موتوا
وكم قائل لا يبعد الله داره ... وآخر جذلان يسر ويشمت
قال: فبكى االمعتصم ثم قال: إن من البيان لسحراً كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال: يا تميم كاد والله يسبق السيف العذل، وقد وهبتك لله ولصبيتك وعفوت عن زلتك، ثم عقد له ولاية على عمله، وخلع عليه وأعطاه خمسين ألف دينار.

ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها=إن السفينة لا تجري على اليُبس
إن القلوب إذا تنافر ودها=مثل الزجاجة كسرها لا يجبر
وما المرء الا كشهاب وضوءه=يوافي تمام الشهر ثم يغيب
ما أحسن الدين والدنيا إذا أجتمعا=وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل
لا تنكري عطل الكريم من الغنى=فالسيل حرب للمكان العالي
قد يشيب الفتى وليس عجيباً=أن يُرى النُّور في الغصن الرطيب

تهون علينا في المعالي نفوسنا=ومن يخطب الحسناء لم يغله المهر
مشت الحادثات في غرف الحمراء=مشي النعي في دار عرس
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم=فأقم عليهم مأتماً وعويلا

[size=12]

مشاركة رمزية حول "

إن من البيان لسحرا تتمثل في جميل هذه الأبيات

إن في الإبداع سحرًا يجعل الصلصال تِبْرا
ويُصَفي المُرّ شهدا، ويصوغُ الليل فجرا

إن في الإسلام روحا قد سرى برّا وبحرا
يُودِعُ المُبدعَ سرا يُكسب الغوّاص درّا

إن في الإسلام روضا ينتشي شدوا وزهرا
يُلهم العشاق حبا وجمالا مستمرا

إن في الدين اختيارا قد يراه الصّم جبرا
قد يراه البُكْم قيدا، قد يراه العُمْي خُسْرا

زعموا للدين سيفا يُخضع الأعناق قهرا
ليس في الإسلام سيفٌ يُرهق الفنّان عُسْرا

لا، ولا فيه حرامٌ أن يكون البوْح شعرا
لا، ولا فيه جفافٌ يمنع الصاديَ قطرا

لا، ولا فيه قيود أن يعيش العبد حرا
لا، ولا فيه جميلٌ أن يكون الشعر هُجرا

إنما الشعر رياض يملأ الأرواح عطرا
يرفع الذوق سموا، ويُعلّي النفس فخرا

إنما الشعر بيانٌ يغمُر العالم سحرا
أيها الشاعر أنشدْ، وانْثُرِ الألحان نثرا

إن في الإسلام رفقا، إن في الإسلام يُسْرا
إن في الإسلام رحمَهْ......................

إن في الإسلام دنيا، إن في الإسلام أخرى
إن للشاعر عذرا......................

[/size]

» القهوة المُرّة في التراث العربي
» "الجومة"... لوحات من التراث الفراتي